مساءلة للعالمانية

هل نتبنّى (العالمانية) لأنها تمثّل حلاً موضوعياً لواقعنا السياسي؟

تَبنّي بعض الساسة للعالمانية في السودان نتيجة سقوط نظام الإنقاذ الذي كان يرفع شعاراً إسلامياً في تبنيه للحكم يؤكد أطروحةً في علم الاجتماع المعرفي، و كذلك ذُكرت في نظرية المعرفة، و كذلك في علم النفس في الدوافع، و هي مبثوثة في الدرس الشرعي التربوي السلوكي في باب الإخلاص و كذلك نبّه عليها شيخُ ابن تيميّة كثيراً في أعماله العقديّة، و أبرزها ذهبيُّ العصر الإمام المعلميّ اليمانيّ في رسالته “القائد إلى تصحيح العقائد”، و أفاض الشيخ العجيري في فاتحة كتابه “ينبوع الغواية الفكرية” فيها تحت مبحث “محرّكات الأفكار”، ألا و هي :

“ليس دائماً المعامل (المعرفي) هو الذي يقف وراء تشكّل الأفكار و القناعات و المعتقدات…”

بمعنى أن كثيراً من الناس قد يتبنّى موقفاً عقدياً من غير أي مبرر علمي و لا برهان جلي على صحة ما ذهب إليه ابتداءً ، و إنما الحال هو مواقف تاريخية أو سياسية أو ثقافية أو عاطفية أو اجتماعية أو شخصية حصلت في محيطه منفصلة عن ذات منطقة البرهنة للمدلول…
كاستعراض سريع لهذه الظاهرة مثلاً :

زلزال أكادير 1960 | البحوث المدرسية العربية

حصل زلزال لشبونة سنة ١٧٥٥م فالتهب سؤال الشر في مواجهة الإيمان بالوجود   الإلهي، و كأنه لم يحصل زلزال و لا إعصار و لا بركان قبل هذا! و لم يوضع السؤال   بصورة موضوعية ليتم التعاطي معه بشكل صحيح!

في ذكرى أحداث 11 سبتمبر.. إليك أفضل الكتب التي تناولت الحدث الذي غير ...

حصلت حادثة تفجيرات ١١ سبتمبر لبرج التجارة العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية فاشتعل تيار الإلحاد الجديد في العالم الغربي و اشتدّت الليبرالية بصوت التسامح الديني في العالم العربي، و كأنه لم تحصل حادثة تفجير قط قبلها أكبر و لا أعظم تهدد السلم القومي!

أبرز معارك الحرب العالمية الثانية التي خلدها التاريخ - العرب والعالم ...

بعد الحربين العالمييتن ظهرت فكرة حقوق الإنسان بصور لامعة عند هيئة الأمم المتحدة و صار بعضهم ينافح عن هذه الحقوقيات في حقوق الإنسان عامة و في حقوق المرأة بصورة خاصة، و كأن هذه الحقوق وُلدت عام ١٩٤٥م ليكون هؤلاء حُماةً لها!

إشكاليّة النّقد الأدبي العربي الحديث بين التّقليد والتّجديد – سعاد العنزي

ظهرت فلسفة نسويّة في الغرب لها حمولة معينة في نظرتها تجاه المرأة في سياق تاريخي و مجتمعي معين فيه ظلم للمرأة و اضطهاد لحقوقها فخلص الغربيون لإنهاء هذا الصراع باتفاقية سيداو فلابد أن تظهر “فلسفة نسوية” في الفكر العربيو تتبنى ذات الحل في التبرير لمضامين ” اتفاقية سيداو ” باستحضار ذات الحمولة الغربيّة في الصراع التاريخي و ذات الحل الغربي لهذا الصراع في استنساخ غريب جداً!

ظهر في عصر النهضة في الفكر الأوربي حركة الإصلاح الديني فلابد أن يستجلب الأفغاني و محمد عبده حركة إصلاح نهضوية في الفكر العربي !

ظهرت فلسفة “الوجوديّة” في الفكر الغربي فلابد أن يوجد في الفكر العربي عبد الرحمن بدوي ليستجلبها !

ظهرت في فرنسا فلسفة ” الشخصانية ” فلابد أن يكون في الفكر العربي محمد عزيز الحبابي!

ظهرت فلسفة “الجوانيّة” في الفكر الغربي فلابد أن يستجلبها عثمان أمين في الفكر العربي!
ظهرت فلسفة “ديكارت” في الفكر الغربي فلابد أن يستجلبها طه حسين في الفكر العربي !
ظهرت فلسفة ” الوضعية المنطقية” فلا بد أن يستجلبها في الفكر العربي زكي نجيب محفوظ!

اختار سبينوزا منهج التاريخانية في فهم الكتاب المقدس فلا بد أن يستجلب مفكرو الحداثة العرب (شحرور /الجابري/آركون) فكرة تاريخانية النص في فهم القرآن!

في توفيقية باهتة يقوم بها بعضهم في تبنيه للأفكار…
و من الطريف أن تنبّه لهذه الإشكالية الحداثي حسن حنفي نفسه! في كتابه ” الاستغراب”؛ ممايدل على عمق هذه الإشكالية في الفكر العربي عموماً حتى عند دعاة الحداثة العرب !، و وافقه على ذلك الباحث الأكاديمي ألبرت حوراني في كتابه : ” الفكر العربي في عصر النهضة “.

عن الاعتبار الخطأ بالتجارب الثورية: الحالة السودانية – مركز الروابط ...

و على ذات المنوال سقط نظام ينتسب للإسلاميين في السودان فإذاً سيتبنى الشاب ( العالمانية)!، هكذا من غير أي أسباب موضوعية منفكة عن تأثيرات ردود الأفعال! حتى أن د. حمدوك في خطابه في هيئة الأمم المتحدة شبّه الثورة السودانيّة بالثورك الفرنسيّة المتحرّرة و التي كانت رحماً لولادة العالمانية في الفكر الغربي!

لماذا التوفيقية و التبعية في كل صغير و كبير للفكر الغربي؟!

لماذا الإسقاط المباشر لتجربة مختلفة المعايير على تجربة أخرى و عدم الجِدة البحثية في إنشاء وعاء معرفي موضوعي خاص بنا ؟!

10سنوات بعد الربيع العربي.. 20 شخصية تتحدث عن خذلان الغرب للشعوب ...

و الغريب أنه سقطت قبله في ثورات الربيع العربي أنظمة عالمانية صِرفة ( علي زين العابدين في تونس / علي عبد الله صالح في اليمن / حسني مبارك في مصر / القذافي في ليبيا / بوتفليقة في الجزائر)؛ فلماذا لم تسقط العالمانية بسقوط هذه الانظمة كما سقط عند بعضهم الإسلام بسقوط من ينتسبون للإسلاميين؟! لماذا الكيل بمكيالين؟

و السؤال المركزي الذي يجب أن نقف عنده من غير استجلاب لتأثرات توفيقية باهتة :

هل تبني العالمانية في السودان له مبرراته الموضوعيّة ؟

عموماً تبني الأفكار عندما يكون غير مبرر منطقياً يوصل لهذه المضايق!

السابق
الإجابة القرآنية (الحلقة-2): رسالة القرآن في إعادة أسئلة الوجود الكبرى في فجر كل جمعة !
التالي
7 فروق بين الشورى والديمقراطية

تعليق واحد

أضف تعليقا

  1. قطوف احمد قال:

    الله الله.. إبداعاتك ياشيخنا💛💛
    وفقك الله وزادك علما

اترك تعليقاً