الليبرالية الغربية

حول فلسفة الجهاد في الإسلام

سألت الأستاذة الفاضلة أم غسان:

لو سأل سائل : لم فرض الله تعالى الجهاد ؟ ما حاجته سبحانه لأقوام يدخلون دينه قسرا؟ هل الجهاد لإدخال الناس عنوة في دين الله أفواجا ؟ ما حاجة ربنا لدين بالعنوة والغصب ؟ أم الجهاد لإزاحة الطغاة من يحولون بين شعوبهم وبين الإسلام ؟ ألم يختاروا هم طواغيتهم هؤلاء؟ ولو أرادوا لأزاحوهم أم هذا تفكير فيه خلل؟

فكان جوابي عن هذا السؤال:

قبل الجواب عن هذا السؤال لابد من من تثبيت بديهة تاريخية حضارية وهي أنه لا يوجد فكر ولا منهج ولا دين أسس لدولة أو حضارة ويسعى للانتشار والبقاء إلا وله نصيب وافر من القوة.
فكرة أن هناك ديناً تسامحياً لا يتعامل بالقوة في أي لحظة من لحظات وجوده = فكرة طوباوية (مثالية غير متحققة في الواقع) وهي فكرة نرجسية زرعتها فينا الآلة الإعلامية المعاصرة التي تؤسس الهشاشة النفسية ولا تملك سنداً لا من العقل ولا الفطرة ولا سوابق التاريخ.

وسأضرب هنا مثالاً واحداً عن أكثر الأفكار ادعاءً للحرية والديمقراطية لأثبت بدهية كلامي السابق، ألا وهي الليبرالية والتي ترعاها الآن الولايات المتحدة الأمريكية ؛ فهل قامت أمريكا بالفكر والتسامح أم بقوة السلاح ؟

أمريكا دولة قامت على أنقاض إبادة جماعية للهنود الحمر. أمريكا دولة كانت تأخذ الأفارقة – عنوةً – ليحاربوا عنها بالوكالة. أمريكا دولة فجّرت هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة النووية في أفظع جرائم الحرب العالمية الثانية. أمريكا دولة غزت العراق وأحالتها خراباً وقتّلت الأبرياء وأقامت المجازر هناك. أمريكا دولة غزت أفغانستان لمدة ٢٠ عاماً واستباحتها وسفكت كل دم حرام هناك . أمريكا دولة عنصرية في قوانينها الدولية كما في محكمة العدل الدولية التي لا تحاكم ولا أمريكياً واحداً. أمريكا دولة تملك أكبر المعتقلات السياسية (غوانتنامو) ويمارس فيه أسوأ أنواع التعذيب البشري. أمريكا دولة قامت بأكبر عملية سرقة شهدها التاريخ فيما يُعرف بصدمة نيكسون التي سُرق فيها ذهب الدول وصار دولارها الورقي أقوى عملة عالمية عبر أزمة البترودلار والتلاعب الأمريكي به. أمريكا دولة تحمي الكيان الغاصب المحتل على الأراضي المقدسة وتحميه وتذود عنه وتدفع له كل غالٍ ونفيس ليقتل أطفال غزة ويشرد نساءها ويمزق شبابها. أمريكا تنظر للقدس كعاصمة للكيان الغاصب في صفقة القرن وسعيها الحثيث لتبديل الجغرافيا وفق أهواء الإمبريالية العالمية. أمريكا هي أكبر دولة تبيع السلاح في العالم وتحارب بالوكالة لدعم قتل أطفال وأبرياء اليمن.

باختصار:

أمريكا راعية الليبرالية هذه أكبر دولة دموية وعنصرية شهدها التاريخ الحديث!


هذه كمقدمة، أما بالنسبة للسؤال فالجهاد شُرِع لتكون كلمة الله هي العليا كما في كثير من النصوص الشرعية، وهو مشروع لتفتيت الطغمة الكافرة التي تمنع أن يصل نور الله إلى قلوب عموم الناس لإتاحة الفرصة لهم للتعرف على رسالة الله الخاتمة التي من لم يلتزم بها تعرض للعقاب.
من العدل المطلق أن يعلم كل واحد من البشر المخاطبين بالإسلام ما هو الإسلام حقيقةً؟
دون تشويه من طغاة وحكام كفرة يزينون لهم الباطل تزييناً ويشوهون لهم الإسلام.
ما ذنب إنسان في الغرب لم يعرف من الإسلام إلا ما تصوره له آلة الإعلام الليبرالي من قتل وسفك وظلم؟ لماذا يُحرم من معرفة النور المنجي من النار يوم القيامة بسبب حاكم طاغية لا يريد أن تكون كلمة الله هي العليا ولا يريد للحق أن يستبين للمواطنين؟!
لذلك الجهاد -وأعني هنا الطلب- مشروعٌ لإزاحة هذه العراقيل من النور الإلهي والحق المطلق وهو الإسلام أن يصل للعالمين.
بل أقول: لو لم يشرع الله الجهادَ لكلّف الأمة بما لا تطيق! ؛ لأن الدين الحق سيظل مشوهاً في أذهان أغلب الناس ولا يعرفون منه إلا ما يصوره إعلام الطغاة والظلمة، بل لما استطاع الناس أن يعبدوا الله على التمام؛ فانظر الآن إلى الطواغيت حينما يكون لهم الحكم فلا يبيحون للمسلمين حتى إقامة شعائرهم الخاصة فمثلاً في الإيغور الصينية حتى الحجاب يعتبر مخالفة تعاقب عليها الدولة!، حتى مثلا الزواج قبل سن ١٨ عاماً غير مباح في الدول الآن مع أنه شريعة الله وهكذا…
فحتى الإسلام لا يمكن أن يطبق لولا وجود قوة جهاد تُعلِي كلمة الله.
أضف لذلك أن كثيراً من الناس لا يدينون بدين ضعيف هزيل حضارياً لا يملك القوة، وكم أسلم من الناس بعد فتح مكة؟ ولماذا دانت القبائل أفواجاً بعد الفتح؟ لأن النفس البشرية مختلط فيها صحة الحق مع الاستعلاء الحضاري والقوة المادية، وخذ مثالا انبهار الناس اليوم بالدولة الأقوى في العالم وهي أمريكا؛ هل كان يتسنى لها ذلك لولا الاستعلاء الحضاري والقوة المادية؟


أما هل الإسلام يفرض عنوةً على الناس يحتاج لذلك؟
فالجواب : لا، بل الجهاد مشروع لإتاحة الفرصة أمام الناس ليتعرفوا على الدين الصحيح بكلياته ثم بعد ذلك هم مخيرون بين الدخول في الدين أو عدم الدخول مع دفع جزية نظير حماية الدولة الإسلامية لهم وتقديم الخدمات العامة لهم.
وغالباً بعد الفتوحات يدخل أكثر الإقليم المفتوح في الإسلام لما يرونه من جمال الإسلام وشريعته لما تُطبق أمامهم؛ لذلك كثير من الأمصار المفتوحة دخلوا الدين طواعية غير مكرهين، بل وصاروا هم نفسهم يجاهدون ويفتحون، بل ويربون أبناءهم على الإسلام والحمد لله.

السابق
الخلاصات العشرة في مسألة العلاقة بين المصائب والذنوب
التالي
حول دعوى الإصلاح المثالي في التاريخ الإسلامي

اترك تعليقاً