الضلال المنهجي في العصور الإسلامية المتقدمة يؤصِّل له أصحابة بوجوه ظاهرها الحق وباطنها الضلال أو بعض ظاهرها الانحراف من النص الشرعي = ويكون الخطأ حينها إما من جهة الدليل أو الاستدلال
المرجئة عقب الخلاف السياسي الشهير خرجوا بتأسيس مذهبهم القائم على التهوين من الذنب والخطيئة لطالما لصاحبها أصل إيمان = فلا تضر عندهم مع الإيمان معصية واستنادهم زعمآ على (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ثم تطرّف عنهم الخوارج فجعلوا الواقع في الكبيرة كافر مارق ثم حايدت فرقة المعتزلة فجعلته في منزلة بين المنزلتين = في الدنيا لا يحكمون عليه بكفر أو إسلام ـــ وقول الخوارج باطل لاستحالة ارتفاع النقيضين وأهل السنة والجماعة مذهبهم دون هؤلاء فهم يرون أن الإيمان يرتفع بالطاعة وينخفض بالمعصية وأن مرتكب الكبيرة لا يكفر ومستحل الذنب يكفر سواء أكان صغيرة أم كبيرة = فمع خطل وبطلان مجموع المذاهب السابقة ومخالفتها لصحيح الإسلام المتمثل في موقف أهل السنة والجماعة إلا أنك ترى نضج الرؤى التي انبنت عليها تلك المخالفات الشرعية من جهة الحجاج المعرفي لأربابها
تظل سنة التدافع المنهجي والقيمي باقية ببقاء دوامة الحياة ولا تنقطع إلا إيذاناً بنهاية الوجود ( قيام الساعة) وهذه السلسلة من السطوات تتخللها صعود أنجم وأفول أخريات من السرديات الوضعية من جهة ومن المقدسات السماوية من جهة أخرى لكن يظل الوعد باقٍ “إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقية للمتقين “
ويظل المشروط متحقِق بتوفر الشروط وقيامها ” ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً “، ولكن اشتداد الصراع وحمي وطيس السجال حول ممكناتها ينتج نوع يأس له نظائره ” حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب “
لكن المسلم الكيوت = المسلم الذي ارتهن لثقافة الغالب وأعيته المزايدة من قِبل أعداء الإسلام على خطاب العقيدة من جهة وضرورة التسليم للشرع من ناحية فآثر التصديق بكل ما يصدّر له منهم وبل تحوّل مصدر تبرير وجعل غيره مجرد غوغاء ورعاع وكائنات رخوية ساقطة من كتاب تاريخ وغير جديرة بالوجود بذاتها وكينونتها وسط هذه الآلة التكنولوجية ؛ خالف هذه النظائر التاريخية في تكوين فكرته القائمة على المسايرة لظاهرة نقد الدين والنخر في أصوله!
يرى المسلم الكيوت أن مراسيم الولاء والبراء بين المؤمن والكافر غير جديرة بالأخذ فيترحم مثلاً على ملاحدة و نكارى لله عز وجل لكون الإنسانية أكبر من عباءة الدين القائمة على الحزبية والتقييد = لكن يلزمهم أن يأسسوا لترحمهم من منطلق إنسانوي واستظهار ما يدعم حجتهم من الإنسانوية المستحيلة التي يتشبثون بها
فالكيوتية نتيجة حتمية لضمور الجانب الروحي بسبب النتاج الإعلامي الليبرالي المهوِّن من مركزية الدار الآخرة المُعلي من قيم الثقافة العالمانية لا لكونها بديلاً سياسياً فحسب بل مشروعاً قيمياً متكاملاً يجيب عن سؤالاتك ويشبع رغباتك وبل يحقق احتياجاتك المعنوية والمادية بوجوه متعددة
مداخل المسلم الكيوت متعددة لكنها تظهر بوضوح في البؤر الحرجة والتي لا تقبل مهادنة ولا تستجيب لمداهنة = قضايا تندرج تحت عقيدة الولاء والبراء كمسئلة التودد للكافر أو التداخلات الإجتماعية أو معاونتهم ضد المسلمين أو التخابر معهم بل حتى يبلغ الأمر بالكيوت شأوه بأن يتضجر بمجرد الاستنكار عليه لترحمه على ملحد = فتلاشي الفوارق العقدية والتهوين من الفرقة والتحزب المبني على الدين هو أوضح علامات إنحدار المسلم في بالوعة ( الكيوتاب)
العلموية من أكبر أسباب الإنغماس في براثن الكيوتية لأن أس معظمها مرتكِز على علوم غربية مشبّعة بالأيديولوجيا المعادية للإسلام = فالمنخرِط فيها يستصعِب تمايز الصفوف بسبب الأنسنة التي تعاطاها بتمرحل موضوعي مدروس لا مجرد موقف إنفعالي عابر
التعقيد الذي ظل يلازم معظم فنون العلوم الشرعية واستبطاء بل الغياب الجزئي في قضية ( التمتين العقدي) وقلة الانخراط في فضاء صناعة المحتوى العلمي الدعوي ساعد كذلك في تضحيل وعي الشاب المسلم المنبهر بالمادة الإعلامية المبثوثة تحت غطاء ( العلم الشعبي ــ Pop Science) وعصرنا كما قيل عصر السندوتشات في كل شيء.