النسوية

مراجعة كتاب: “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة… دراسة نقدية على ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية”

اتفاقية سيداو
  • حول كتاب : ” اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة … دراسة نقدية على ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية ” الذي ألفه فضيلة الأستاذ الدكتور عارف عوض الركابي، وهو بحث مُحكّم من قبل مجموعة أساتذة متخصصين في علم أصول الفقه.
  • ابتدأ الكتاب بسرد موجز تاريخي مبسّط لتاريخ هذه الاتفاقية و أطوارها داخل هيئة الأمم المتحدة و بيان شامل لأبرز مضامين الاتفاقية في بنودها الثلاثين ثم ذكر النقد الإجمالي للرؤى و الفلسفات و التصورات التي بُنيت عليها الاتفاقية و هو مسلك بديع يمهّد للنقد التفصيلي.
  • الكتاب يميزه عن غيره من الأطروحات العلمية في نقد الاتفاقية أنه لم يقصد إلى بيان مناقضة الاتفاقية لجزئيات نصوص الشريعة فهذا مسبوق بحثاً و نقداً، ولكن المؤلف هنا وضع مقاصد الشريعة الإسلامية هي أداة النقد للاتفاقية مما أضفى للكتاب لوناً جديداً في خزينة مكتبة النقد الإسلامي الموجه لهذه الاتفاقية و فائدة هذه المسلك العلمي الأصيل عظيمة جداً:
  1. حيث أنها تبيّن عظمة التشريع الإسلامي في الجدل المعاصر في قضايا المرأة و أن إشكالية الاتفاقية ليست محصورة فقط في مناقضة نصوص الشريعة بل يتّسع خرقها ليشمل الحقائق العقلية و النواميس و السنن الكونية و الضرورات الفطريّة فتسقط فلسفة الإتفاقية دركاً بعد دركٍ سحيق
  2. تحقق عظمة اسمي الله تعالى ” العليم والحكيم ” في تشريعات المرأة بتمام العلم و الإتقان في نسق هذه التشريعات في باب القوامة و الولاية و العصمة و النكاح و العدة و الطلاق و الشهادة و المواريث و غيرها من الأبواب التي عرض المؤلف فيها عظمة التشريع الرباني بما خطه العلماء الربانيون في مقاصد التشريع الإسلامي في هذه الأبواب؛ فمثلاً قد أجاد الكاتب في بيان الحِكم الشرعيّة في العِدة و أوصلها لخمسِ حِكم متعقّلة في باب تعدد الزوجات أوصلها لثمانِ حِكم متعقّلة بما يشد العقل المنصف للتفكر في علم الله و حِكمته في تشريعه الرباني؛ فسبحان العليم الحكيم!
  3. قصور المادة النقدية المقدمة من التيارات النسوية للإسلام عن تصور التشريع الإسلامي نفسه سواءً في جزئياته أو كلياته؛ فحتى الخطوة الأولى عند هذه التيارات في النقد مفقودة :وهي تصور التشريع الإسلامي! فمثلاً في باب المواريث تصوير أن القضية في قسمة الإسلام تمييز على أساس الجنس! بينما الأمر مبني على العلاقة بين الوارث و المورّث بدليل أن هناك حالات في الميراث ترث فيها المرأة مثل الرجل كمسألة الإخوة و الأخوات لأم و قد ترث أكثر من الرجل كمسألة البنت الواحدة مع الأب، وكذلك القصور التصوري لمنهجية الإسلام في شهادة المرأة بتصويرها تمييزاً على أساس الجنس فقط بينما الأمر متعلق بصفات مختصة بالشاهد نفسه تخوّله للشهادة في باب بمعايير معينة مختلفة عن معايير شهادته في باب آخر من أبواب الشهادة بدليل اختصاص المرأة بالشهادة لوحدها منفردة عن الرجل في أبواب النساء الخاصة كالرضاعة و الحيض و النفاس والعيوب المستورة في الزوجة و الاستهلال وغيرها؛ فلماذا التصوير القاصر لمبنى المسائل في مقاصدة الشريعة؟!
    و لكن الإنسان عدو ما يجهل! وكما قيل:

أتانا أن سهلاً ذم جهلاً * علوماً ليس يدريهنّ سهلُ
علوماً لو دراها ما قلاها * و لكنّ الرضى بالجهل سهلُ

  • المقارنة التنزُّليّة التي يجريها المؤلف في تطبيقات و مآلات التشريع الإسلامي مع الفلسفة السيداويّة و التي تمخّضت بلوازم حانقة للفسلفة السيداويّة مثل قضية التعليم المختلط بين الجنسين الذي أشار المؤلف فيه إلى ما يربو على خمسين بحثاً علمياً أكاديمياً في مجالات الاجتماع و النهضة التعليمية في الغرب تثبت تخبط الرؤية السيداويّة في الدعوة للتعليم المختلط من جهة تحقق سير العملية التعليمية بصورة جيدة و مُثمرة للطلاب والطالبات بين نور الإسلام و ظلام سيداو.
  • إنصاف المؤلف للاتفاقية في النقاط الإيجابية التي هي من صميم حق المرأة بحق – على أن جوهر الاتفاقية باطل في فلسفته النسويّة المبنية عليها – ، و هذا أمر محمود و لكن تأخرت فيه الاتفاقية عن التشريع الإسلامي أكثر من ١٣ قرناً في بيان هذه المحاسن فهي كلها كما بيّن المؤلف مكفولة للمرأة في الإسلام، و لله الحمد على نعمة الإسلام.
  • ومن باب الفائدة الفنيّة: فمن الجمال الإخراجي للكتاب أن المؤلف أولاً يعرض المادة موضع النقد و تكون العبارة المُشكلة في المادة مكتوبة بالخط الداكن العريض ليتسنّى للقارئ ملاحظة موضع الإشكال بالضبط و يُلحق بعد ذكر المادة موضع النقد – بطولها – خلاصة تشرح المادة و موضع الإشكال بعبارة موجزة.
  • منذ القراءة الأولى للكتاب يتبين للقارئ مدى تقازم الفكر الذي يتبناه بعض المفكرين في التوفيقية الباهتة بين روح مقاصد الشريعة الإسلامية و إتفاقية سيداو الأمر الذي صرّح به الصادق المهدي في ورقة له حول دور المرأة السياسي فقال : ” إن لحزب الأمة علاقة أكيدة بهيئة شئون الأنصار، وهي علاقة يمكن أن تعيق الإصلاح السياسي في الحزب إذا انطوت الهيئة على موقف ديني يعيق التطور الديمقراطي بموجب فهم انكفائي للإسلام، أو انطوت على موقف ديني يعيق تحرير المرأة. وفي هذا الصدد عقدت أمانة المرأة في هيئة شئون الأنصار ورشة في الفترة ما بين 19-21 يوليو 2004، ودرست بنود سيداو وقررت أنها لا تتناقض مع مقاصد الشريعة الإسلامية “
  • ختاماً…
    الكتاب جمع بين سبك العلماء و عبارتهم مع بساطة و سلاسة الأسلوب ووضوح العبارة مع النقل المكتظ عن لفيف طيب من علماء المسلمين قديماً و حديثاً خصوصاً ممن برعوا في مجال مقاصد الشريعة كالشاطبي و القرافي و ابن القيم و غيرهم – رحمهم الله -.
    و نصيحةٌ لنفسي ثم لكل الدعاة و المصلحين والمثقفين بمطالعة هذا الكتاب الماتع – و هو صغير جداً ١٦٠ صفحة فقط بالخط الكبير نسبياً – وبث مفاهيمه ومضامينه بين المجتمع، وهو حريٌّ بعقد جلسات نقاش وعرض في نوادي القراءة الثقافيّة والفكريّة خصوصاً أن الفسلفة النسويّة صارت معبراً و مدخلاً فكريّاً للتيارات الإلحادية المعاصرة ضد القيم والدين.
    و كما ذكر المؤلف فالكتاب جدير بالترجمة – ولو جزئياً للمقاصد الشرعية في أحكام المرأة- حتى يتبين لغير الناطقين بالعربية عظمة هذا الإسلام، و الله أعلى وأحكم و أعلم.
  • رابط التحميل المباشر للكتاب من هنا
السابق
ظاهرة الانقضاض على المسلم العالم أو المصلح أو الداعي فور وفاته
التالي
ظاهرة “الفروي” كيف تحول أطفال الغرب لحيوانات!

اترك تعليقاً