(١)
تقول إحدى النسويات عن تعدد الرجل بأكثر من امرأة في الشريعة:
الإشكال الكبير في النسوية هي أنها تناقش الإسلام بمرجعيتها الفكرية لا بمرجعية الإسلام نفسه.
إحدى النسويات في السودان وهي أمال هباني تدعو جهاراً نهاراً لاتخاذ العشيق ومضاجعته بالحرام في حال تعدد الرجل في زواجه بالأولى = ترتكز على مبدأ المساواة بين الجنسين، وهذا المبدأ باطل وليس صحيحاً؛ فالمساواة بين المختلفات والتفريق بين المتماثلات مناقض لبداهة العقول والفطر قبل أن يكون مناقضاً للدين.
المبدأ الإسلامي هو الآية القرآنية : ” وليس الذكر كالأنثى”، ” الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض”، ” وللرجال عليهن درجة”.
لذلك أكبر إشكال في كلام هذه الناشطة النسوية أنها جعلت المنظور الأخلاقي للنسوية والإسلام واحداً وبدأت تحاكم الإسلام على تفاصيل أحكامه في مسألة التعدد في الزواج.
هذه مغالطة ” المصادرة على المطلوب “.
(٢)
الإشكال الثاني أنها جعلت الممارسة الخاطئة لبعض الرجال المعددين على زوجاتهم = حكماً يصاحب أصل مسألة التعدد فجعلت قاعدة تجريدية : مصاحبة الإذلال الإنساني والأذي النفسي للتعدد هو أمر مطرد، وهذه مغالطة مكشوفة.
فلو أن كل ممارسة خاطئة لحكم تجريدي صحيح تجعل هذا الحكم باطلاً = كان ينبغي علينا رفض الزواج من أصله! فكم من زوج أو زوجة لهما من الممارسة السيئة في منظومة الزواج من تعدٍّ وظلمٍ وتقصيرٍ فهل نرفض فكرة الزواج ؟!
هذا إضافة إلى أن الإسلام لما شرع التعدد للرجل لم يتركه هذا حكماً سبهللاً، بل جعل كل الضوابط التي ترشد هذه المنظومة من الظلم والقهر :
١- فجعل القدرة على التعدد من حيث النفقة والوطء شرطاً له : ” فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم “.
٢- جعل العدل بين الزوجات واجباً في النفقة والبيت والمسكن.
وبالتالي الممارسة الخاطئة لا يتحملها الحكم التجريدي للتعدد في الإسلام.
(٣)
الإشكال الأخير يبدو أن الناشطة لا تعترف بقدسيّة الإسلام ولا نصوصه، وهنا يكون الكلام معها عن صحة الإسلام أولاً وإلا فكل نقاش بعد هذا فهو عبث وتحصيل حاصل.
وأما الدعوة لتعدد الأزواج قياساً على تعدد الزوجات فقياس باطل وذلك لـ:
١-للمرأة رحم واحد وبالتالي لو تزوجت بأكثر من رجل فسيؤدي هذا لاختلاط الأنساب بين الرجال، وهو أمر لا يحدث لو عدد الرجل في زوجاته.
٢- من حيث الفائدة المجتمعية فعدد النساء في العالم يفوق الرجال وفي سنن ابن ماجه أن من علامات الساعة : (يكثر النساء ويقل الرجال)؛ وبالتالي الزواج الثنائي ينتج عنه كثرة العنوسة في النساء، والعنوسة تلازم كثرة الجريمة في المجتمع، بل تسبب الأذى لكثير من النساء العوانس عاطفياً لعدم احتوائهن في منظومة زواج، وكذلك سيعاني المجتمع من حيث فقدان كثير من النساء الأرامل أوالمطلقات أوالمتوفى عنها زوجها لفرص الزواج مرة أخرى؛ لقلة رغبة الرجال – غالباً – للزواج بهن لأول مرة.
وقد أعجبني هذا المثال الذي نسجه د.هاني حسين في إحدى مقالاته على فيسبوك إذ قال ما نصه:
“ماذا لو أباح الإسلام للمرأة أربعة أزواج (أو شركاء) كما أباح للرجل أربع زوجات :
لو بدأنا برجل اسمه (زيد) لديه أربع زوجات ، هذا يعني أن كل واحدة من الزوجات الأربع سيكون لديها هي بدورها أربعة أزواج، وهؤلاء الأزواج الأربعة سيكون لكل منهم بدوره ثلاث زوجات غير زوجته المشتركة مع الرجل الأول، وكل واحدة من الثلاث زوجات سيكون لديها أربعة أزواج كذلك ، وهؤلاء مثل من سبقهم وهكذا دواليك من الدوائر التشاركية غير المنتهية .
والآن ..
1/ لو أن زوجة زيد حبلت – وليكن حبلها من زيد ولنفرض أنا متأكدون من أن الطفل لزيد لا لأحد الأزواج الآخرين – ثم وضعت طفلها ، ففي أي بيت سينشأ الطفل ؟
في بيت أبيه البيولوجي زيد؟ أو في بيت الزوج الثاني لأمه أو الثالث أو الرابع؟
ستحتاج أمه أن تلازمه وترضعه على الأقل لمدة السنة أو السنتين الأولتين ، فمن سيعتني بأطفالها من الرجال الآخرين ؟ أستكون أمومة بالزيارات الخاطفة تمر على كل منزل من المنازل الأربعة لتمنح أطفالها بعضا من حقوقهم من عطف ورحمة وتربية واعتناء ؟
ماذا لو كانت ولادتها لطفل زيد مباشرة بعد 8 أشهر من ولادتها لطفل أحد الرجال الآخرين، كيف ستوزع نفسها بين الطفلين وكلاهما يحتاجها على الأقل في رضاعته وطعامه (حكم البيولوجيا ماذا نفعل 🤷♂️)؟
2/ تخيل لو أن لكل امرأة أربعة أزواج ، وكل واحد من أزواجها الأربعة يرغب في إنجاب 3 أطفال منها ولنفرض أن كل واحد منهم لا زوجة أخرى له ، هذا يعني أن هذه المرأة المسكينة ستحتاج أن تحمل وتنجب 12 مرة كيما ترضي شركاءها جميعا وتحقق رغباتهم ، تفهم النساء مشقة هذا الأمر جيدا !! هذا ما نقصد بقولنا إن الرجل والمرأة مختلفان وأن البيولوجيا لا تسمح بالتعدد للمرأة بينما لا إشكال فيه بيولوجيا للرجل ، لأنا لو فرضنا رجلا متزوجا من أربع نسوة وأرادت كل واحدة منهن 7 أطفال منه – لا ثلاثة فقط – فإنه يستطيع أداء ذلك بكل يسر وسهولة دون مخاوف أو مخاطر على صحته البدنية عكس المرأة ، فالرجل لا يحتاج أكثر من ان ينتج الحيوانات المنوية التي يحوي الملليتر الواحد من منيه منها مئات الملايين ، وكل واحد من مئات الملايين التي ينتجها الرجل في دفقة واحدة قادر على التسبب بوجود طفل ، ولا يحتاج الرجل فترة 9 أشهر بين كل طفل وآخر ثم فترة إرضاع سنتين كما هو حال أغلب النساء ، ففرض تعدد أزواج المرأة مخالف للبيولوجيا ولأسس نظرية التطور التي تعتبر حفظ النوع وتكثير النسل أحد دوافع العملية التطورية للحياة على الأرض، فحتى بمنطق القانون الطبيعي لا يتفق ما يردنه هؤلاء وطبيعة الحياة والبيولوجيا على الأرض، المرأة سكن وقرار واستقرار وموئل لحاجات الأطفال والزوج ، هكذا هي البيولوجيا شئنا أم أبينا.
بعبارة أخرى، هذه المساواة المفترضة تضاد مقصد حفظ النوع البيولوجي وتقلل من فرص التكاثر وبقاء الجين (المفترض أن يكون هو الوضع الطبيعي تطوريا) إذ يمكن للرجل أن ينجب ألف 1000 طفل في العام بينما لا تستطيع المرأة إلا أن تنجب طفلا واحدا في العام ، ما يعني أن على كل واحد من الأزواج الأربعة الانتظار 4 سنوات – أو أكثر – ليحين دوره في إنجاب طفل من المرأة التي يتشاركها مع غيره.
3/ ألزم الشرع الرجل بالعدل في المبيت عند كل واحدة من نساءه، فلو كان لكل واحدة من نساءه أربع أزواج فستحتاج أن تعدل كذلك بين أزواجها مساواة بما فرض على الرجل المعدد ، فكيف ستفي بمطلوب المبيت عند كل زوج من أزواجها الذين سيحتاج كل واحد منهم أن يبيت كذلك عند كل واحدة من نساءه الأربع وهكذا دواليك بما يتعذر معه الإيفاء بهذا الحق؛ وأيضا ماذا تفعل بأطفالها من كل زوج عندما تذهب لتبيت عند بقية أزواجها ؟ أتتركهم في المنزل حتى إن كانوا صغارا ؟ أو تحملهم معها جميعا أينما ذهبت في كل زيارة من الزيارات الأربع؟ وماذا لو كان لأبيهم زوجة أخرى يذهب ليبيت عندها وفق حقها الشرعي ؟ أيتركون وحدهم ؟
4/ في حال حبلت زوجة زيد، ماذا سيفعل أزواجها الباقين (رقم 2 و3 و4) فترة الحمل إن لم يكن لهم زوج غيرها فيما يتعلق بحاجاتهم ؟ أيخصون أنفسهم ؟!
5/ ماذا لو أن واحدا فقط في هذه السلسلة المتشعبة من الأزواج والزوجات أصيب بمرض منقول جنسيا ؟! التفكير في الاحتمالات ومدى الانتشار الممكن مرعب !!
6/ ولا أحتاج أن أذكر احتمالات اختلاط الأنساب خاصة في زمن لم يكن فيه وسائل فحص الحمض النووي ، وهذا الاحتمال مأمون في جانب التعدد للرجل فقط ، إذ إن أي طفل يولد يعرف أن أمه فلانة وأبوه زوجها ، لكن إن كان للأم أربعة أزواج فأيهم يكون والد الطفل ؟ وحتى لو قبلنا أن ينسب الطفل إلى أمه ألا يحتاج أن يعرف أباه ولو من باب الاتزان العاطفي والنفسي للطفل إن أهملنا مسألة النفقة والتربية ؟
وهذه الإشكاليات المجتمعية لا يمكن حلها إلا بمنظومة الإسلام الاجتماعية وهي تعدد الرجال في الزواج”.
والسؤال المفتوح:
ما هو البديل الاجتماعي لحل هذه الإشكاليات في الفكرة النسوية ؟!