(1)
لماذا تنتشر مواد الفكر المدخلي في وسائل التواصل الاجتماعي، وتنشط جداً عند حلول حدث كبير يلم بالأمة الإسلامية مثل ما يحصل الآن؟
هذا السؤال قد يقفز لذهن من لا يعلم آلية تشكل هذا الفكر. والإجابة عليه تكمن في الإجابة عن سؤال آخر: لماذا تحرص الأنظمة الأمنية العالمية على دعم هذا الفكر؟
(2)
من المهتمين بمجال الأفكار الإرهابية مستشار حكومي في الولايات المتحدة الأمريكية وهو (Jarret M. Brachman) [هذا الرجل عمل كمستشار للعديد من الوكالات الحكومية حول الإرهاب، وكان في الدراسات العليا للـCIA (وكالة الاستخبارات الأمريكية)، ومن أهم المناصب البحثية له أنه كان مديراً سابقاً لـ USMA (الأكاديمية العسكرية الأمريكية) وتسمى أيضاً «وست بوينت» وهي مؤسسة فيدرالية أمريكية تختص بتدريس العلوم العسكرية، وهي من أقدم الأكاديميات العسكرية في أمريكا، ومن طرق الالتحاق بها الحصول على توصية رسمية من أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي]1.
هذا الرجل له كتاب وورقة بحثية في تحليل المدراس الإسلامية الجهادية تحديداً:
– الكتاب هو” Global Jihadism theroy and practice” = ” الجهادية العالمية النظرية والتطبيق”.2
– الورقة البحثية هي “Stealing Al-Qa’ida’s Playbook” = “سرقة قواعد لعبة القاعدة”، وهذ الورقة البحثية قد نشرتها مركز “وست بوينت” المشار له سابقاً في العام 2006م.3
(3)
يتحدث (Jarret M. Brachman) في الصفحة 29 من كتاب “الجهادية العالمية” عن البنية المعرفية لهذا التيار ويسميه “السلفية المدخلية” ويصفه في كتابه أنه تيار داعم للأنظمة العالمانية والأسس الديمقراطية [طبعا الديمقراطية هنا المقصد منها هو الفكر الديمقراطية وليس مبادئ الانتخابات والتداول السلمي للسلطة، فالمداخلة من أشد المنافحين عن الأنظمة الديكتاتورية كما في الكتاب نفسه].
وعليه فهذا التيار المدخلي يوطد الرؤية الأمريكية في العالم الإسلامي بتثبيت الأنظمة العالمانية والمنافحة عنها وشرعنتها وتضليل كل من يعارضها ووصفه بالبدعة أو ما عبر عنه (Jarret M. Brachman) بالـ”خارجية”، ولذلك لابد أن يتم نشر أفكارهم ومحاضراتهم ومقاطعهم وسط المسلمين -خصوصاً المسلمين الجدد- لبناء إسلام مدني لا يرى أي إشكال في توطين الأنظمة العالمانية العالمية يتوافق والرؤية الأمريكية للعالم.
وهذا ما يفسر احتفاء إيدي كوهين الصحفي الصـهيوني كثيراً ببعض مقاطع شيوخ المداخلة التي تطعن في المقاومــة وتكمّل الرواية الصـهيونية للأحداث مثل احتفائه بفقيري وسالم الطويل.
وكذلك يفعل حساب (إسرائـــيل تتكلم العربية) مع عدد من شيوخ المداخلة ورأيهم في الأحداث الأخيرة، بل ظهر مقطع لأحد المداخلة المصريين وهو ينقد الناطق العسكري باسم كتائب القسام أباعبـــيدة ويقول له: “الجـهاد بالسنن أفضل من السيف”! في وقت يباد فيه 2 مليون من شعــب غزة بالقنابـل الفسفورية المحرمة دولياً!
ورغم أن المداخلة من المولعين بالكلام عن حرمة الخروج على الحكام بطريقة فيها غلو واضح، إلا أنهم يهاجمون سلطة حماس علنياً خلافاً لتقعيداتهم وطريقة تعاملهم مع بقية الأنظمة!
(4)
في الورقة البحثية المشار لها سابقاً “Stealing Al-Qa’ida’s Playbook” = “سرقة قواعد لعبة القاعدة” في الخلاصة رقم 5 :
وضّح (Jarret M. Brachman) ما يمكن أن تفعله الولايات لتعطيل الأمة من أي فعل جـهادي ومحاربة الجماعات الإسلامية التي تسعى لتحكيم الشريعة، فما هو الحليف الاستراتيجي الذي يمكن اتخاذه في هذه الحال؟
تشير الورقة البحثية بصراحة لاصطفاء التيار المدخلي لهذه المهمة، وأن على الولايات المتحدة الأمريكية دعمه (مالياً) بدون أن تظهر يدها في ذلك الدعم (دعم خفي) ؛ لأنه – وإن كان لا يتفق مع كامل الرؤية الأمريكية – لكنه يؤدي لنفس النتيجة النهائية وهي حماية المصالح الأمريكية وقتل أي روح لمقاومتها في العالم.
لذلك تجد الدعم الأمني الكبير الذي يحظى به هذه التيار في كل العالم الإسلامي، ويتم تنشيطه عند أي غزو أمريكي مثل العراق وأفغانستان والآن ننظر ما يحصل في فلسطيـن.
الخلاصة:
لابد من التعامل مع هذا الفكر من هذه الحيثية وهي البعد الأمني الاستراتيجي لهذا التيار وأثره في إضعاف الأمة في كل موطن، فهو فكر لا يتوقف عند كونه يرى رؤية ساذجة للأحداث كما يبدو لك حينما ستسمع آراءهم لأول مرة، بل هو يمثل حليفاً استراتيجياً قوياً لتطلعات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الأنظمة في العالم الإسلامي، ومن قرأ بحث مؤسسة راند: “الإسلام الديمقراطي المدني” سيجد كل هذه المفاهيم مفصلة في التقرير لبناء إسلام ليبرالي يمكن أن تتقبله أمريكا،ما يحدث ليس محض غباء، ما يحدث هو توظيف كامل لهذا الفكر!
- للرجوع لترجمة Jarret M. Brachman على ويكبيديا ↩︎
- لتحميل الكتاب باللغة الإنجليزية، ولم أتحصل على ترجمة عربية له حتى الآن انتقل إلى هنا ↩︎
- لقراءة الورقة البحثية مترجمة من مركز “نخبة الفكر” انتقل إلى هنا ↩︎
جزاك الله خير
وجزاك