في بداية هذا الشهر الجاري و بالضبط في ٣ يوليو ٢٠٢٠م حصل في الجزائر حدثٌ تندى له جبين كل مسلمٍ حرٍّ غيور!
في هذا اليوم و بعد مطالبات استمرت لـ٩ سنوات رضخت فرنسا لمطالب و مناشدا بعض الغيورين من الجزائريين بإرجاع جماجم و رُفات أبطال الجهاد الجزائري المقاوم للاحتلال الفرنسي سنة ١٨٣٠م ! أي بعد مرور حوالي ١٧٠عاماً من المقاومة للاحتلال الفرنسي. و قد أوردت قناة France24 الخبر مقتضباً في أقل من دقيقة فقط من وقتها الثمين!!! (١)
![](https://nsaemalafkar.com/wp-content/uploads/2023/06/106998679_1543340379181063_2592750806530776366_n-1.jpg)
ليس المؤلم في كون هذه الأجساد الأبيّة من أبناء الجزائر التي دافعت عن بلادها لم تُكرم بالدفن كما عرف الغرابُ قبل الإنسان أن إكرام الميت دفنه! ؛ فرغم غطرسة العقل الأوروبي الحديث إلا أن حاله انحطّ و لم يرقَ للندم الإنساني الفطري : ﴿ قَالَ یَـٰوَیۡلَتَىٰۤ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَـٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَ ٰرِیَ سَوۡءَةَ أَخِیۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِینَ ﴾!
و إنما المؤلم أن هذه الجماجم كانت تُعرض في متحف فرنسا الشهير الذي يضم ١٨ ألف جمجمة! من الذين عارضوا احتلال بلدانهم ضد فرنسا فأردتهم بنادق فرنسا صرعى، و مثّلت بأجسادهم و قطعت رؤوسهم و عادوا بها إلى فرنسا و احتفظوا بها في هذا المتحف الذي يقبع في صلب العاصمة باريس! ، و المضحك المبكي أنهم سموه – زوراً و تلفيقاً – بـ”متحف الإنسان “!!!
و قد استمعتُ للقاءٍ أُجري مع آلاف فرومون رئيس قسم الأنثروبولوجيا بمتحف ” الإنسان ” الفرنسي ، و هذا هو رابط اللقاء (٢)، و قد صرّح فيه أنهم كانوا يعتقدون أن الإنسان الأوروبي هو الأساس ! ، و هي خلاصة حتميّة للعظمة ” الإنسانويّة “التي مُنِي بها العقل الأوربي و صار يفترض مركزيّته في الكون، و يحتل و يقتل و يسرق و يدّعي الاكتشاف و يُبِيد في حقبة سوداء على صفحات تاريخ الرأسماليّة الجشعة المستبدة فيما عُرِف – كذباً – بـ”حقبة الاستعمار و حركة الكشوف الجغرافيّة “، و هي حقبة الاحتلال و النهب المسلح لا أكثر !
و هذا ليس بغريب على فرنسا فقصّة المرأة من جنوب أفريقيا التي اسمها ” سارة ” معروفة، حينما أُخذت لبريطانيا ثم لفرنسا و تم عرض جسدها الغريب الشكل العظيم المؤخرة ليضحك فيه الفرنسيون كما قاموا بعمليات تشريح على جسدها و على رأسهم البارون جورج كوفييه، وهو الجراح الخاص بنابليون بونابرت ، ثم بعد موتها تم أخذ جثتها و اقتلاع هيلكها العظمي و إعادة ترميمه من جديد، و وُضِعت للعرض في متحف الإنسان بباريس ليستمتع السيّاح بهذا الجنس الافريقي الأسمر الغريب على الجنس الأوربي، حتى ثارت ثائرة رئيس جنوب أفريقيا نيلسوين مانديلا، و طالب فرنسا بإعادة جثتها لبلدها و احترام كرامتها ؛ فأُعيدت بعد ٢٠٠عاماً من عرضها في متحف الإنسان ! (٣).
ذاتُ الاستعلاء العِرْقي هو الذي ألهب السفاحَ الألمانيَّ أدولف هتلر في حزبه النازي و قام بالسحل و القتل في الحرب العالمية الثانية لكل مخالف لجنسه الآري بمن فيهم اليهود و أحرقهم في ” محرقة الهـولوكوست” الشهيرة ؛ فهاهي فرنسا تستعيد ذات النّفَس و تستبطن ذات الاحتقار في هولوكست ” متحف الإنسان”، و لكن هولوكوست الجزائر لا بواكي لها !
و لا تستغرب فكلهم يشرب من مَعِين الفلسفة الاجتماعية الداروينية.
و صدق المفكر د. عبد الوهاب المسيري حينما قال : ” إن المشروع المعرفي الغربي كافر بالمعنى العميق للكلمة، فهو ليس كافراً بالإله فحسب، بل هو كافر بالإنسان أيضاً “
[دراسات معرفية في الحداثة الغربية – صـ٩٠]فرنسا التي خرجت من ثورتها التحررية ! – زعموا- التي يتغنّى بشعاراتها اليوم بعض شباب المسلمين للأسف ! : ( الإخاء – الحرية – المساواة) في عام ١٧٨٩م ؛ لتقوم فرنسا و بعد ٩ سنوات فقط من ثورة الحرية و العدالة ! بانتهاك حُرمة مصر في حملة نابليون بونابرت الاحتلالية و تضرب المنارة الإسلامية الشامخة الأزهر الشريف، ثم تواصل احتلالها في بقية قارة أفريقيا، و تمسخ هويتها، و دينها، و لغتها، و تسرق إلى يوم الناس هذا خيراتِها (٤) ، و لتذهب الحرية و التسامح إلى الجحيم ؛ فكما يقول د. الطيب بوعزة : “إن الفكرة الليبرالية و نمطها المجتمعي لم يظهر بناء على إيمان بالحرية الشخصيّة، و لم تنادِ بالحريّة لسواد عيون الحريّة ، إنما بقصد تخليص القن من سياج الأرض، ليتحوّل إلى مادة قابلة للاستعمال في المصانع ” [نقد الليبرالية – صـ٢٦]
و هكذا نُشرت العالمانية في العالم العربي بحد السيف و رصاص البنادق، و دعك من هرطقات سماسرة الليبرالية العرب ممن يدندن حول تجسير فلسفة ابن رشد و مصلحة الطوفي و مقاصدية الشاطبي ! ؛ فلم تبدأ العالمانية العربيّة فكراً أبداً.
إنه عصر الشعارات الزائفة و النفاق الإعلامي الذي تقوده النيوليبرالية الكاسدة في أبهى صور انحطاط الإنسان، و رحم الله الشيخ أبا الحسن الندوي فما زال صدى صرخاته يتردد في مسامع الدنيا كلها عندما كتب مؤلفه :” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ “
و كما يقول د. الطيب بوعزة : ” إن عصر العولمة هذا يسكنه إصرار غريب على تشييء الإنسان ( يقصد: التعامل مع الإنسان باعتباره شيئاً و مادةً صماء) ، و لهذا فالبشرية اليوم = تحتاج إلى ثقافة جديدة ترتقي باهتماماتها و أشواقها و رغباتها “
[نقد الليبرالية – صـ١٣٣]ألا رحم الله أياماً كان فيها طارق بن زياد و موسى بن نصير و صقر قريش عبد الرحمن الداخل و عبد الرحمن الغافقي و السمح بن مالك الخولاني ترتعد لهم فرائصُ فرنسا و أسبانيا !
و اُبتلينا اليوم بمسلمٍ مُسْتَلبٍ فكرياً و حضارياً و تاريخياً يجادل في شرعيّة جهاد الطلب، و يدعو لضرورة العالمانية لتحقيق السلام، و نشر التسامح، و حقوق الإنسان، و انظروا إلى ديمقراطية فرنسا، و فردوس أمريكا ووو !!!
فاللهم أعد للأمة مجدها و عزها و ريادتها، و في صحيح مسلم يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( من مات و لم يغزُ و لم يُحدّث نفسه بالغزو = مات على شعبة من شعب النفاق ).
الصور أدناه لأبطال المقاومة الجزائرية، و جماجمهم بعد قطع رؤوسهم على يد المحتل الفرنسي و إيداعها في متحف الإنسان بباريس، ثم عودته بعد ١٧٠عاماً لبلادها لتدفن للتوّ
______________________
(١) اقرأ برود الخبر في France24 :
باريس تسلم الجزائر رفات 24 مقاوما جزائريا للاستعمار الفرنسي
https://www.france24.com/…/20200703-%D9%81%D8%B1%D9%86…
(٢) شاهد اللقاء التلفزيوني في المتحف :
(٣) اقرأ هنا :
https://ar.m.wikipedia.org/…/%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%AA…
و أيضاً شاهد :
مشاهدة “متحف الإنسان: وصمة عار في تاريخ فرنسا” على YouTube
(٤)مشاهدة تقرير ميدان : “الاستعمار الخفي.. كيف تمتص فرنسا خيرات أفريقيا؟” على YouTube