الدماء

فرنسا: جريمة متحف الإنسان و18 ألف من جماجم البشر!

جرائم فرنسا ومتحف الإنسان

في بداية هذا الشهر الجاري و بالضبط في ٣ يوليو ٢٠٢٠م حصل في الجزائر حدثٌ تندى له جبين كل مسلمٍ حرٍّ غيور!

في هذا اليوم و بعد مطالبات استمرت لـ٩ سنوات رضخت فرنسا لمطالب و مناشدا بعض الغيورين من الجزائريين بإرجاع جماجم و رُفات أبطال الجهاد الجزائري المقاوم للاحتلال الفرنسي سنة ١٨٣٠م ! أي بعد مرور حوالي ١٧٠عاماً من المقاومة للاحتلال الفرنسي. و قد أوردت قناة France24 الخبر مقتضباً في أقل من دقيقة فقط من وقتها الثمين!!! (١)

ليس المؤلم في كون هذه الأجساد الأبيّة من أبناء الجزائر التي دافعت عن بلادها لم تُكرم بالدفن كما عرف الغرابُ قبل الإنسان أن إكرام الميت دفنه! ؛ فرغم غطرسة العقل الأوروبي الحديث إلا أن حاله انحطّ و لم يرقَ للندم الإنساني الفطري : ﴿ قَالَ یَـٰوَیۡلَتَىٰۤ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَـٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَ ٰ⁠رِیَ سَوۡءَةَ أَخِیۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِینَ ﴾!

و إنما المؤلم أن هذه الجماجم كانت تُعرض في متحف فرنسا الشهير الذي يضم ١٨ ألف جمجمة! من الذين عارضوا احتلال بلدانهم ضد فرنسا فأردتهم بنادق فرنسا صرعى، و مثّلت بأجسادهم و قطعت رؤوسهم و عادوا بها إلى فرنسا و احتفظوا بها في هذا المتحف الذي يقبع في صلب العاصمة باريس! ، و المضحك المبكي أنهم سموه – زوراً و تلفيقاً – بـ”متحف الإنسان “!!!

و قد استمعتُ للقاءٍ أُجري مع آلاف فرومون رئيس قسم الأنثروبولوجيا بمتحف ” الإنسان ” الفرنسي ، و هذا هو رابط اللقاء (٢)، و قد صرّح فيه أنهم كانوا يعتقدون أن الإنسان الأوروبي هو الأساس ! ، و هي خلاصة حتميّة للعظمة ” الإنسانويّة “التي مُنِي بها العقل الأوربي و صار يفترض مركزيّته في الكون، و يحتل و يقتل و يسرق و يدّعي الاكتشاف و يُبِيد في حقبة سوداء على صفحات تاريخ الرأسماليّة الجشعة المستبدة فيما عُرِف – كذباً – بـ”حقبة الاستعمار و حركة الكشوف الجغرافيّة “، و هي حقبة الاحتلال و النهب المسلح لا أكثر !

و هذا ليس بغريب على فرنسا فقصّة المرأة من جنوب أفريقيا التي اسمها ” سارة ” معروفة، حينما أُخذت لبريطانيا ثم لفرنسا و تم عرض جسدها الغريب الشكل العظيم المؤخرة ليضحك فيه الفرنسيون كما قاموا بعمليات تشريح على جسدها و على رأسهم البارون جورج كوفييه، وهو الجراح الخاص بنابليون بونابرت ، ثم بعد موتها تم أخذ جثتها و اقتلاع هيلكها العظمي و إعادة ترميمه من جديد، و وُضِعت للعرض في متحف الإنسان بباريس ليستمتع السيّاح بهذا الجنس الافريقي الأسمر الغريب على الجنس الأوربي، حتى ثارت ثائرة رئيس جنوب أفريقيا نيلسوين مانديلا، و طالب فرنسا بإعادة جثتها لبلدها و احترام كرامتها ؛ فأُعيدت بعد ٢٠٠عاماً من عرضها في متحف الإنسان ! (٣).

ذاتُ الاستعلاء العِرْقي هو الذي ألهب السفاحَ الألمانيَّ أدولف هتلر في حزبه النازي و قام بالسحل و القتل في الحرب العالمية الثانية لكل مخالف لجنسه الآري بمن فيهم اليهود و أحرقهم في ” محرقة الهـولوكوست” الشهيرة ؛ فهاهي فرنسا تستعيد ذات النّفَس و تستبطن ذات الاحتقار في هولوكست ” متحف الإنسان”، و لكن هولوكوست الجزائر لا بواكي لها !

و لا تستغرب فكلهم يشرب من مَعِين الفلسفة الاجتماعية الداروينية.

و صدق المفكر د. عبد الوهاب المسيري حينما قال : ” إن المشروع المعرفي الغربي كافر بالمعنى العميق للكلمة، فهو ليس كافراً بالإله فحسب، بل هو كافر بالإنسان أيضاً “

[دراسات معرفية في الحداثة الغربية – صـ٩٠]

فرنسا التي خرجت من ثورتها التحررية ! – زعموا- التي يتغنّى بشعاراتها اليوم بعض شباب المسلمين للأسف ! : ( الإخاء – الحرية – المساواة) في عام ١٧٨٩م ؛ لتقوم فرنسا و بعد ٩ سنوات فقط من ثورة الحرية و العدالة ! بانتهاك حُرمة مصر في حملة نابليون بونابرت الاحتلالية و تضرب المنارة الإسلامية الشامخة الأزهر الشريف، ثم تواصل احتلالها في بقية قارة أفريقيا، و تمسخ هويتها، و دينها، و لغتها، و تسرق إلى يوم الناس هذا خيراتِها (٤) ، و لتذهب الحرية و التسامح إلى الجحيم ؛ فكما يقول د. الطيب بوعزة : “إن الفكرة الليبرالية و نمطها المجتمعي لم يظهر بناء على إيمان بالحرية الشخصيّة، و لم تنادِ بالحريّة لسواد عيون الحريّة ، إنما بقصد تخليص القن من سياج الأرض، ليتحوّل إلى مادة قابلة للاستعمال في المصانع ” [نقد الليبرالية – صـ٢٦]

و هكذا نُشرت العالمانية في العالم العربي بحد السيف و رصاص البنادق، و دعك من هرطقات سماسرة الليبرالية العرب ممن يدندن حول تجسير فلسفة ابن رشد و مصلحة الطوفي و مقاصدية الشاطبي ! ؛ فلم تبدأ العالمانية العربيّة فكراً أبداً.

إنه عصر الشعارات الزائفة و النفاق الإعلامي الذي تقوده النيوليبرالية الكاسدة في أبهى صور انحطاط الإنسان، و رحم الله الشيخ أبا الحسن الندوي فما زال صدى صرخاته يتردد في مسامع الدنيا كلها عندما كتب مؤلفه :” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ “

و كما يقول د. الطيب بوعزة : ” إن عصر العولمة هذا يسكنه إصرار غريب على تشييء الإنسان ( يقصد: التعامل مع الإنسان باعتباره شيئاً و مادةً صماء) ، و لهذا فالبشرية اليوم = تحتاج إلى ثقافة جديدة ترتقي باهتماماتها و أشواقها و رغباتها “

[نقد الليبرالية – صـ١٣٣]

ألا رحم الله أياماً كان فيها طارق بن زياد و موسى بن نصير و صقر قريش عبد الرحمن الداخل و عبد الرحمن الغافقي و السمح بن مالك الخولاني ترتعد لهم فرائصُ فرنسا و أسبانيا !

و اُبتلينا اليوم بمسلمٍ مُسْتَلبٍ فكرياً و حضارياً و تاريخياً يجادل في شرعيّة جهاد الطلب، و يدعو لضرورة العالمانية لتحقيق السلام، و نشر التسامح، و حقوق الإنسان، و انظروا إلى ديمقراطية فرنسا، و فردوس أمريكا ووو !!!

فاللهم أعد للأمة مجدها و عزها و ريادتها، و في صحيح مسلم يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( من مات و لم يغزُ و لم يُحدّث نفسه بالغزو = مات على شعبة من شعب النفاق ).

الصور أدناه لأبطال المقاومة الجزائرية، و جماجمهم بعد قطع رؤوسهم على يد المحتل الفرنسي و إيداعها في متحف الإنسان بباريس، ثم عودته بعد ١٧٠عاماً لبلادها لتدفن للتوّ ⬇️

#العالمانية_طاعون_العصر

______________________

(١) اقرأ برود الخبر في France24 :

باريس تسلم الجزائر رفات 24 مقاوما جزائريا للاستعمار الفرنسي

https://www.france24.com/…/20200703-%D9%81%D8%B1%D9%86…

(٢) شاهد اللقاء التلفزيوني في المتحف :

(٣) اقرأ هنا :

https://ar.m.wikipedia.org/…/%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%AA…

و أيضاً شاهد :

مشاهدة “متحف الإنسان: وصمة عار في تاريخ فرنسا” على YouTube

(٤)مشاهدة تقرير ميدان : “الاستعمار الخفي.. كيف تمتص فرنسا خيرات أفريقيا؟” على YouTube

السابق
شذرات من فقه الإعذار التيميّ | متجدد
التالي
لماذا برز المشروع التيمي في العقيدة؟

اترك تعليقاً