لما فقدت الحداثة مركزية الله في حياتها ورؤاها الكلية وتصوراتها = حاولت خلق صياغة مماثلة تكفي الإنسان في كافة تفاصيل حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولكنها -لقصور طبيعي في الإنسان – لم تستطع أن تنتج صيغة مخالفة فريدة في جانب الإشباع الروحي للإنسان ، فحاولت أن تخرج بصيغة مماثلة لطقوس الدين من أعياد واجتماعات لمقدساتها ، فكانت الأيام العالمية لمقدسات الحداثة مضاهاة للأعياد الدينية في تعظيم مقدساتها السماوية ؛ فكما يحتفل المسلمون بالأضحى والفطر فكذلك تحاول الحداثة – في مشابهة ضمنية للدين – أن تخلق أياماً عالمية لمقدساتها النظرية .
ولما كانت فلسفتها النسوية قائمة على ظنها القاصر بأن هناك علاقةً تشاكسيةً وثأراً تأريخياً بين الرجل والمرأة وأن الرجل قد فاز في جولةٍ ما = حاولت أن تصنع يوماً عالمياً للمرأة لتتغلب على الرجل في جولة أخرى في هذه العلاقة التشاكسية المتوهمة .
وحقيقة الأمر أن لنا في الإسلام تصوراتٍ مباينةَ تماماً حول العلاقة بين الرجل والمرأة رسمها القرآن في ود وحب ومودة وتآلف لا تشاكس ونزال -كما تفترضه الفلسفة النسوية – وهي علاقة قائمة على العدل المطلق لا على المساواة المطلقة التي تقتضي الظلم ولابد، كما قال الله – تعالى – : ” وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّةࣰ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ ” .
الحداثة في الوقت الذي تدعي فيه مفارقة الأديان = هي تصنع ديناً أرضياً مشوّهاً يحاول أن يضاهي الأديان السماوية ، ولكنه دين متعدد المقدسات ( الآلهة ) كما يقول الفيلسوف برجر : ” لا تتميز الحداثة بغياب الله ، و إنما بوجود آلهة كثيرة”!