فترة الصيام عن حفظ السنة من أصولها:
مضى زمان غابر طويل خيّم على مجتمع طلاب العلم الشرعي كانوا فيه في عُزلةٍ ( شبه) كاملة عن حفظ السنة النبوية من (أصولها) أي : مباشرة من كتب الحديث المسندة كالصحيحين و السنن الأربعة و المعاجم و المسانيد و غيرها من دواوين السنة، و الطرق المعهودة في مدارج الطلب المعاصر في حفظ السنة :
الاكتفاء بحفظ بعض المختصرات الحديثية كـ: عمدة الأحكام ثم بلوغ المرام ثم المُنتقى في أحاديث (الفقه) ، مع حفظ رياض الصالحين في أحاديث ( الآداب و الفضائل و التزكية)، ثم تكرار النظر حتى يتم الاستظهار في دواوين السنة كجامع البخاري وصحيح مسلم وجامع الترمذي وسنن أبي داود … و هكذا، وهي طريقة مُثمرة و نافعة …
ولكن بقي سؤال حفظ السنة من أصولها سؤالاً صعباً مُغيّباً عن الواقع العلمي إلا في طبقاتٍ نادرة جداً في (محاظر) صحراء بلاد شنقيط أو بعض من بزّ و اشتدّ حفظه من الطلاب هناو هناك، و هم أندر من الكبريت الأحمر !
مشروع الشيخ يحيى عبدالعزيز اليحيى لحفظ السنة النبوية:
حتى فتح الله لطلاب العلم بمشروع الشيخ يحيى بن عبدالعزيز اليحيى المُدرّس بالحرم – حفظه المولى- في حفظ السنة النبوية من أصولها بطريقة ( الجمع) و (التجريد) فأعاد الشيخ غيضاً من فيض زمان السلف في رسم ملامح برنامج ميسور في حفظ نصوص السنة لكل طالب العلم؛ و قد سُئل الشيخ في مقابلة سابقة فقال عن نفسه :
“حفظت بحمد الله أكثر من (عشرة آلاف) حديث عن ظهر قلب ألقيتُها في الدروس على كرسي الحرم المدني وذاكرت بها الطلاب” .
و صار من السهل أن ترى في طفلاً مثل جهاد المالكي – الذي هو أحد طلاب الشيخ و ممن انخرط في برنامجه – يجاوب بكل ثبات عن أي حديث نبوي يُسأل عنه مُخرّجاً لمصدره، و مُكملاً لنصه في إبهار لكل الحضور!
شاهد المقطع – مبرّكاً عليه- :
الشيخ بمشروعه هذا يُحيي شيئاً من سنة السلف في طلب الحديث، ويعيد – و لو يسيراً – من تلك الأيام الخوالي لطلاب الحديث، يقول أحدهم واصفاً لهذا المشروع :
” فهذا طفل عمره ١١ سنة يحفظ القرآن، ليس ذلك فقط بل يحفظ مع ذلك الجمع بين صحيحي البخاري ومسلم!
وذلك دكتور تجاوز عمره الخمسين عاماً يجدد نشاطه ليحفظ الصحيحين، ثم سنن أبي دواد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهكذا، و هذا شاب يحفظ في اليوم الواحد أكثر من ستين صفحة أي : أكثر من قريب من ثلاثمائة حديث!
إضافة إلى العشرات من القضاة والدكاترة والمدرسين وطلاب الجامعات في نسيج عجيب من الجد اجتمعوا في دورة حفاظ الوحيين بمكة المكرمة! “.
ثناء بعض أهل العلم المعاصرين على المشروع:
لذلك ليس غريباً أن يُثني العلماء الكبار كابن باز وابن عثيمين – رحمهما الله، و الثناء سطّره الشيخ في مقدمة الجمع بين الصحيحين في طبعته الأخيرة- على هذا المشروع الذي مكث فيه الشيخ زهاء ربع قرن من الزمان ليُخرج للطلاب خلاصة أصول أحاديث السنة النبوية ميسورة الحفظ و المراجعة في مجلدات لطيفة محذوفة الأسانيد و مجردة من الروايات المكررة (غير الزائدة لمعنى أو فائدة و إلا كانت مثبتة في الحاشية) و كانت كتب المشروع كالتالي :
1- الجمع بين الصحيحين (حفظ)
2- زيادات السنن الأربعة والدارمي والموطأ (حفظ)
3- زيادات المسانيد الثلاثة عشر (حفظ واستظهار)
4- زيادات الصحاح : ابن خزيمة وابن حبان والحاكم (حفظ)
5- زيادات المعاجم الثلاثة (حفظ واستظهار)
6- زيادات مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة وسنن البيهقي (استظهار)
7- زيادات سنن سعيد بن منصور وسنن الدارقطني (حفظ واستظهار)
8- زيادات الأدب المفرد للبخاري والزهد لابن المبارك ووكيع وأحمد (حفظ واستظهار)
بل حتى الأحاديث المُضعّفة أفردها الشيخ في مجلدات للاستظهار؛ فلله دره!
فوائد طريقة الشيخ يحيى في حفظ السنة النبوية على غيرها من الطرق:
والذي أُريد أن أُشير إليه في هذا المقال أن هذه الطريقة في حفظ السنة فاضلة على غيرها – و الله أعلم – ، و أجدى و أنفع و أرفع و أسهل و أسرع و أرسخ و ذلك للآتي :
- استظهار الطالب لها (أصولَ) أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم-صحيحها و سقيمها ، و هي فائدة عزيزة في هذا الزمان تكاد تُعدم في بعض مناهج التحصيل المُعاصرة، و لا يخفى ما في ذلك من البركة فقد ورد عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ” نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه ، فرب مبلغ أوعى له من سامع ” رواه الترمذي ، وابن ماجه. يقول علي القاري في [مرقاة المفاتيح] : ” وهذا يدل على شرف الحديث وفضله ودرجة طلابه حيث خصهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بدعاء لم يشرك فيه أحد من الأمة ، ولو لم يكن في طلب الحديث وحفظه وتبليغه – فائدة سوى أن يستفيد بركة هذه الدعوة المباركة لكفى ذلك فائدة وإنما وجد في الدارين حظاً وقسماً “.
- سهولة تخريج الحديث؛ فالذي يحفظ بطريقة اليحيى يحفظ كل حديث من مصدره بالترتيب السابق فيحفظ أحاديث الصحيحين المتفق عليها لوحدها ثم مفردات البخاري لوحدها ثم مفردات مسلم لوحده ثم سنن أبي داود ثم جامع الترمذي… وهكذا، فيسهل تخريج حديثٍ أورد عليه إلى مصدره. الأمر الذي يستعصي على قاصد حفظ بلوغ المرام أو رياض الصالحين مثلاً، فبعد كل حديثٍ تخريجٌ مختلف فالأول في البخاري و الثاني في مسلم و الثالث في ابن ماجه و الرابع متفق عليه فيختلط عليه تخريج الأحاديث!
- شمول الأبواب الغير فقهية؛ فقاصد حفظ العمدة و البلوغ و المنتقى محصور في نطاق أحاديث الأحكام الفقهية فقط!، مع أن هناك أبواباً أخرى لا غنى للطالب عنها مثل : أبواب الإيمان التي تفيد جداً في أدلة العقيدة، و أبواب السيرة و المغازي و أبواب مناقب الأنبياء والنبي – صلى الله عليهم وسلم-، و صحابته – رضي الله عنهم-و لا تخفى فائدة هذا في باب الدعوة بل فيها فوائد عقديّة و فقهيّة كذلك! و أبواب التفسير و غير ذلك.
- لطافة و تنسيق كتب الشيخ يحيى و حسن ترتيبه للأحاديث و جودة طبعات كتبه و اتساع مساحات الصفحات و تلوين الروايات المفردة للبخاري بالأحمر و المتفق عليها بالأسود و جعل روايات مسلم في الهامش مع الضبط التام لألفاظ الأحاديث، و هذا مَلحظ فني لا يُدرك أهميته في سهولة الحفظ إلا من جرّب الحفظ من بعض الطبعات (الغير مُعدة للحفظ أصالةً) للبلوغ أو العمدة أو المنتقى أو الرياض حتى مثل كتاب صالح الشامي التي (قد) يُنسى آخرالصفحة أولها!
- كسر هاجس الخوف من الحفظ الكثير، فالعقل يزداد نضوجاً بكثرة الحفظ كما قال ابن القيم :” أي عضو كثرت رياضته قوي ، وخصوصا على نوع تلك الرياضة ، بل كل قوة فهذا شأنها ، فإن من استكثر من الحفظ قويت حافظته ، ومن استكثر من الفكر قويت قوته المفكرة ، ولكل عضو رياضة تخصه ” [زاد المعاد (4/225)]
فطريقة الشيخ يحيى تُنمي الذاكرة بكثرة المحفوظ اليومي؛ إذ يحفظ طلاب الدورة كل يومٍ عشرين وجهاً من مجلدات السنة النبوية! - غلبة الوحي على الخطاب الدعوي و العلمي؛ فالدورة توفر لطالبها مخزوناً حديثيّاً ثرّاً في ذاكرته مما يسهل الاستدلال النبوي في الخطاب الدعوى و العلمي على حد سواء، و لعلّ من الملاحظ أن مما يميز شيخنا أبو الحسن خوجلي إبراهيم – حفظه الله – سيلان الأحاديث النبوية في دروسه العلميّة، و هو من خريجي هذا المشروع في مكة، و هو الآن ينشر ضياءه في ربوع بلادنا السودان في دورته العاشرة في مسجده بالسامراب؛ فلله درُّ أبي الحسن!
الوصية بالالتحاق بهذه الدورات المباركة:
وخير ما اشتغل به كل حافظٍ لكتاب الله أن يُخلص نيّته كما يقول ابن عباس – رضي الله عنهما – : ” إنما يحفظُ الرجلُ على قدر نيته ” (الجامع لأخلاق الراوي) (2/257)، و يلتحق بركب هذه الدورة هذا العام، و ليس راءٍ كمن سمع!
جاء في موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد بن صالح المنجد – حفظه الله تعالى – : ” نصيحتنا لك ألا تتردد في دخول دورة حفظ الصحيحين ، وأن تقدمها على كل مشروع علمي تشتغل به الآن ، فقد لمسنا فيها الخير الكبير ، والفائدة العظيمة ، والحق يقال : إنها من نعم الله تعالى على طلبة العلم في هذه الأيام ، أن يجد الطالب – في مقتبل الطلب – فرصةَ التفرغ لحفظ أهم مصدر من مصادر الشريعة بعد كتاب الله تعالى ، ويقضي أيامه وأوقاته بين يدي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحفظ عباراته ، ويستظهر أقواله وأفعاله وسيرته صلى الله عليه وسلم ، وقد يكون ذلك في المسجد الحرام ، أو في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
فأي نعمة أعظم من هذه النعمة !
وأي فرصة ينتظر طالب العلم كي يحقق إنجازا عظيما كحفظ الصحيحين ؟!
والله سبحانه وتعالى لا يخيب رجاء طالبٍ صادقٍ لجأ إليه سبحانه أن يعينه على الحفظ والفهم ، وتوكل عليه سبحانه أن يسهل عليه كل عسير ، ثم جلس في الروضة الشريفة يرجو أن يفتح الله عليه كما فتح على الإمام البخاري الذي كتب السنة والتراجم على ضوء القمر في هذا المكان المبارك .
هل ترى أخي الكريم أن الطالب الذي امتلأ قلبه بحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وتمنى أن لو رآه بنفسه وماله وولده ، واحتسب أن ييسر الله له بطلبه العلم سبيل الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، هل ترى مثل هذا الطالب يخيب سعيه ، ولا يرجع بالعلم والأجر والفضل ، أم تراه وقع فيما سيندم عليه ، ويراه – في مستقبل الأيام – مشغلة ومضيعة؟!
وقد سمعنا عن بعض أهل العلم المعاصرين من كاد قلبه يتفطر ألما أن فرصة مثل هذه فاتته في بداية طلبه ، فلا تُفَوِّت أنت الفرصة ، وبادر إلى الخير ، واستعن بالله عز وجل “.
وهنا أحد أميز خريجي هذا البرنامج المبارك وهو فضيلة الشيخ د.عمر المقبل وهو يوصي بهذا البرنامج في منهجية حفظ السنة النبوية :
و الموفّق من وفّقه الله…
يمكن متابعة دورات وبرامج المركز من خلال موقعهم الرسمي .
تمت كتابته في ليلة السابع من شهر رمضان ١٤٤٠هـ