فقه الدعوة

الدولة الحديثة وإمكانية التشريع (1)

الإضعاف من حدّية ثنائية إسلامي / عالماني تزرُّعاً بأننا نعيش في ظل نظام دولة حديثة خالية من المضمون الديني و الأخلاقي = إضعافٌ فيه تخازل و خمول عن مبدأ حاكميّة الشريعة و ذلك في نقاط :

  • صحيح أن نظام الدولة الحديثة نظام مبني على أساس الفلسفة المادية التي تنتزع كل ما هو ( غيبي / ديني / أخلاقي ) و هي تمثل البنت البارة بأمها و هي الحداثة المعاصرة التي زُرِعت في العالم العربي بالاستعمار الأوربي لعدد من الدول العربية ردحاً من الزمان؛ و عليه فبِنية الدولة الحديثة القُطريّة متنافية مع بِنية الدولة الإسلامية بحيث تناقضها تماماً إلا في الأدبيات الليبرالية التأويلية المعاصرة التي تحاول تذويب مضامين الدولة الإسلامية لتتوافق مع الدولة الحديثة!
  • الدولة الحديثة – كما يقول توماس هوبز – مثل التنين في تعقيدها و تجذرها في هذا العصر السياسي، و لكن هذا البلاء الذي وضعه المستعمر ليس مبرراً لكي نرضخ لدولة عالمانية قلباً و قالباً و نحن لنا مفهومنا الإسلامي للدولة و تاريخنا ناصع بتوالي دولة الخلافة الإسلامية و تعاقبها على الأجيال في وقت كانت أوربا – المستميتة في دولتها الحديثة هذه – تعيش قرون الظلام ( القرون الوسطى المظلمة)، فعلامَ نُعطي الدنيّة في ديننا!
  • من المعلوم أن من مقاصد التشريع الإسلامي قوله تعالي : ” فاتقوا الله ما استطعتم”، و قرره السعدي – رحمه الله تعالى – في القواعد الفقهية :
    و ما استطعتَ افعل من المأمورِ * و اجتنب الكلَّ من المحظورِ
    و كما صرّح السيوطي في الأشباه و النظائر نقلاً عن سلطان العلماء العز بن عبد السلام أن قاعدة : ترجيح المصالح و تكميلها و درء المفاسد و تقليلها يرجع إليها الدين كله.
    و عليه فإن وجود دولة بهذا التعقيد العالماني ينبغي مراعاة هذه المقاصد الشرعيّة معها؛ فعدم المقدرة على تحكيم الشريعة بكمالها في ظل هذا البلاء المستحكم لا يعني ترك الشريعة كلها و الرضوخ لهيمنة النظم العالمانية عليها بكمالها!
  • فهم الدولة الحديثة ثم محاولة تفكيك مضامينها و فرز تناقضاتها مع المفهوم الإسلامي ثم تطبيق ما أمكن من الشريعة؛ فما لا يُدرَك كله لا يُترَك جُله، و التعامل معها بفقه الاضطرار لا فقه الاختيار سيكون خطوة إيجابية في حاكمية الشريعة.
  • ينبغي أن تكون هناك أحلام لتحطيم هيكلة الدولة الحديثة على الوطن الإسلامي و بناء دولة الخلافة الإسلامية مع استحضار العامل الزمني الطويل و المخزون الفكري المتين الذي قد يُحتاج له لتحقيق هذا الأمر، لكن ليس الحل بالرضوخ لهذه العالمانية الصارخة.

-يقيني أنه لا يخلو زمان من إمكانية تحكيم الشريعة و لو استحدث الزمان ما استحدث بدليل حديث أبي هريرة الذي رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (… لينزلن عيسى بن مريم حكماً عدلاً فيقتل الخنزير و يكسر الصليب و يحكم بالإسلام…) فحتى في علامات الساعة الكبرى من تفاصيلها إمكانية الحكم بالتشريع الإسلامي.

  • الإضعاف من هذه الثنائية جهل بالواقع – حتى في ظل الدولة الحديثة – لو رأينا الآن إلى عدد من الدول العربية التي حُكامها ذوو نظرة عالمانية = لوجدنا :
    تضييقاً للعمل الإصلاحي و تنديداً بالدعاة إلى الله كما في بعض دول الخليج، و كبتاً للصوت الإعلامي للحق، و فتحاً للباطل على مصراعيه بتلميع الوجوه العالمانية و الأصوات الليبرالية بل و التأثير على المناهج التعليمية للصغار كما فعل الإنقاذ في حذف مقررات التوحيد، و منع النقاب للنساء كما فعلت العالمانية في تونس و تغيير الأحكام و الحدود الشرعية في البرلمان الأثيم و هذا كثير جداً…. و هلمّ جرّاً. و
    هذا كله من تأثيرات ثنائية إسلامي /عالماني – حتى في الدولة الحديثة – بحيث لو كان الحكم إسلامياً – بحق-لكانت النتائج مُغايرة.

محمد خلف الله

مطور مواقع إلكترونية Wordpress Developer، وباحث في الفضاء الشرعي وتقاطعاته الفكرية.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. يحتاج ذلك لعمل دؤوب ولهمم عاليه ولبرنامج يواكب الأحداث وقبل ذلك كله صدق النيه وإخلاص العمل لله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى